19 شوال 1446 هـ   18 نيسان 2025 مـ 11:52 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2025-04-09   105

النصوص المهدوية بين التأويل والمعنى الظاهري


الشيخ معتصم السيد أحمد

 تُعدّ القضية المهدوية واحدة من أهم القضايا العقائدية التي تشغل فكر المسلمين عموماً والشيعة خصوصاً، فهي ترتبط بمفهوم الخلاص الإلهي وتحقيق العدالة المطلقة في الأرض. ومع تطور الزمن وظهور مستجدات علمية وتكنولوجية، يثار التساؤل حول إمكانية عصرنة المفاهيم المرتبطة بهذه العقيدة، أي إعادة تفسيرها بما يتناسب مع معطيات العصر الحديث. فهل يمكن تأويل الروايات الواردة بشأن الإمام المهدي (عليه السلام) بما يواكب التطورات العلمية، أم ينبغي التمسك بظواهر النصوص دون تأويل؟

 

فمثلاً، إذا نظرنا إلى بعض الروايات المتعلقة بالإمام المهدي (عليه السلام)، سنجد أنها تذكر أموراً تبدو، وفق الفهم التقليدي، غير منسجمة مع المعطيات العلمية الحديثة، مثل قتاله بالسيف أو انتقال أصحابه عبر السحاب أو الصيحة التي يسمعها جميع أهل الأرض بلغاتهم. هنا يبرز التفسير العصري لهذه المفاهيم، حيث يرى البعض أنه يمكن إعادة تأويل هذه الروايات بما يتناسب مع تطور الزمان.

 

فعلى سبيل المثال، في ما يتعلق بقتال الإمام المهدي (عليه السلام) بالسيف، يمكن أن نفهم هذا الوصف على أنه يشير إلى القتال بشكل عام باستخدام أي نوع من الأسلحة الحديثة، وليس بالضرورة السيف التقليدي الذي كان السلاح الشائع في زمن الوحي. ففي تلك الفترة، كان السيف هو أداة القتال المتعارف عليها، لكن مع تطور الأسلحة على مر العصور، قد يكون النص قد استخدم السيف كمجاز يشير إلى القتال بكل أنواع الأسلحة الممكنة، سواء كانت نارية أو تقليدية أو حتى متطورة مثل الأسلحة الذكية والطائرات الحربية. ومن هنا، يمكن أن يكون تأويل القتال بالسيف وفقاً لهذه الفكرة في سياق الزمن المعاصر مجرد إشارة إلى الصراع العسكري بشكل عام، وليس بالضرورة حصره في السيف.

 

وكذلك الحال بالنسبة للصيحة التي يسمعها جميع أهل الأرض، فإن تأويلها يمكن أن يمتد ليشمل وسائل الإعلام الحديثة، مثل الأقمار الصناعية وشبكات الإنترنت والقنوات الفضائية، التي أصبحت قادرة على نقل الأخبار والرسائل إلى كافة أنحاء العالم في لحظات. ومن خلال هذه الوسائل، يمكن للحدث المهدوي أن يُسمع ويُترجم لكل إنسان بلغته الخاصة في نفس اللحظة. وبالتالي، يمكن أن يكون النص قد استخدم الصيحة كرمز لانتشار الخبر في جميع أنحاء الأرض، وهو ما يتوافق مع قدرة وسائل الاتصال الحديثة على الوصول إلى كافة بقاع الأرض بسهولة ويسر.

 

وبنفس الطريقة يمكن تأويل سفر أنصار الإمام عبر السحاب، باستخدام وسائل النقل الجوي الحديثة، مثل الطائرات والطائرات المروحية، وهكذا توسيع هذا التأويل ليشمل الرحلات الجوية عبر الطائرات النفاثة التي تعبر القارات في ساعات معدودة، مما يضفي بُعداً حديثاً على الروايات المتعلقة بالحركة السريعة للأنصار. فإذا كان في الماضي يُظن أن السحاب هو الوسيلة التي يستخدمها الإمام وأتباعه، فإن النقل الجوي الحديث قد يكون هو المقصود الآن.

 

هذه التأويلات قد تكون مقبولة ضمن إطار الاجتهاد العقلي، إذ يمكن القول بأن الروايات استخدمت تعابير مفهومة لأهل زمانها، لكنها تحمل دلالات أوسع تتناسب مع تطورات المستقبل. غير أن مثل هذه التأويلات تظل في دائرة الظنون والاستنتاجات، ولا يمكن الجزم بها يقيناً، فكما أنها قد تكون صحيحة، فقد تكون غير دقيقة، وهذا ما يفتح المجال للنقاش حول مدى مشروعية مثل هذه المقاربات.

 

التمسك بظاهر النصوص:

على الجانب الآخر، يرى بعض الباحثين والعلماء أن التأويل لا ينبغي أن يكون هو السبيل الوحيد لفهم الروايات المهدوية، بل قد يكون التمسك بظاهر النصوص هو الأسلوب الأنسب والأكثر توافقاً مع طبيعة هذه القضية الغيبية. فالأمر المهدوي لا يتعلق فقط بالبعد التاريخي أو الاجتماعي بل يتجاوز ذلك ليكون جزءاً من الغيب الإلهي، الذي هو من اختصاص علم الله سبحانه وتعالى، فلا يمكن للإنسان أن يخضعه دائماً للمعايير العقلية أو العلمية المحدودة التي لا تستطيع أن تدرك كل الحقائق الغيبية. في هذا السياق، يُعتبر الإيمان بالغيب أساساً جوهرياً في فهم عقيدة المهدي (عليه السلام) وتفسير أحداثها، وفي هذا الإطار لا يمكن أن يكون الإنسان مقيداً بفهم عقلي فقط.

 

فعلى سبيل المثال، عندما نقرأ الروايات التي تتحدث عن قتال الإمام المهدي بالسيف، يمكن أن يكون هذا القتال فعلاً حقيقياً لا مجرد مجاز. فما من مانع من أن يكون هذا الوصف دقيقاً ويعكس واقعاً سيحدث فعلاً، وهذا لا يتناقض مع كونه منسجماً مع قدرة الله العظيمة على تحيق معجزات خارقة للعادة. في هذا الصدد، قد يتم تفعيل هذا القتال بشكل إعجازي بحيث يُبطل الله مفعول الأسلحة الحديثة المتطورة التي تستخدمها جيوش العصر، وبالتالي يعود القتال إلى الأسلحة التقليدية التي كانت شائعة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله). هذه النظرة تتضمن أن الله قادر على تحييد الأدوات الحديثة عن التأثير، مما يجعل السيف في هذه الحالة أداة حقيقية وفعالة، لا مجرد رمز.

 

وكذلك الصيحة التي يسمعها جميع أهل الأرض يمكن أن تكون من أمر الله سبحانه وتعالى، فلا حاجة في هذه الحالة إلى التأويل عبر وسائل الإعلام أو التكنولوجيا الحديثة مثل الأقمار الصناعية أو شبكات التواصل. بدلاً من ذلك، يمكن أن تكون هذه الصيحة معجزة إلهية، بحيث تصل إلى جميع الناس في كل مكان وزمان دون الحاجة إلى وسيط بشري أو تقني. هذه الصيحة قد تكون أداة إلهية تتخطى حدود التكنولوجيا، وتسمح لكل إنسان أن يسمعها بلغته الخاصة، وهو ما يعكس القدرة المطلقة لله في التواصل مع خلقه مباشرة، بعيداً عن تقدم العلوم أو وسائل الاتصال في أي زمن من الازمان.

 

أما فيما يتعلق بسفر أنصار الإمام المهدي عبر السحاب، فليس هناك ما يمنع أن يكون هذا أيضاً أمراً خارقاً للعادة يتضمن تسخير قوى الطبيعة لخدمة هدف إلهي. فقد أورد الشيخ الراوندي في كتابه الخرائج والجرائح (٢/٩٣۰)  عن الإمام الباقر عليه السلام : "إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخر له السحاب وطويت له الأرض ، وبسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين، وعلى هذا حال المهدي عليه السلام ولذلك يسمى: صاحب المرأى والمسمع، فله نور يرى به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب، وإنه يسيح في الدنيا كلها على السحاب مرة وعلى الريح أخرى، وتطوى له الأرض مرة، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً". ما يعكس القدرة الإلهية على تسخير الظواهر الطبيعية لتخدم أغراضاً إلهية. فإذا كانت هذه القدرة قد تحققت مع أنبياء وأولياء من قبل، فلماذا لا يُمكن أن تتكرر مع الإمام المهدي (عليه السلام) في المستقبل؟

 

فتسخير السحاب والريح لا يُعدّ تفسيراً بعيداً عن السياق العقائدي، بل يتماشى مع الفهم الكلي للإيمان بالقدرة المطلقة لله على كل شيء. فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل هذه الظواهر الطبيعية تخدم أهدافاً إلهية بطريقة تتجاوز حدود العقل البشري، وتظل هذه القدرات جزءاً من المعجزات التي يُمكن أن تتحقق في زمن الإمام المهدي (عليه السلام).

 

بين التأويل واليقين: موقف متوازن

في ظل هذا التباين بين من يسعى إلى عصرنة المفاهيم المهدوية وتأويلها وفق المستجدات العلمية، وبين من يتمسك بظاهر النصوص ويؤمن ببعدها الغيبي، يمكن القول بأن الموقف المتزن هو الذي يقبل بإمكانية التأويل ضمن شروط معينة، لكن دون الجزم بصحة هذه التأويلات أو فرضها كحقيقة نهائية.

 

فلا مانع من أن يجتهد الإنسان في فهم النصوص وفق معطيات عصره، ولكن ينبغي أن يظل هذا الاجتهاد ضمن دائرة الاحتمالات لا القطعيات. وفي الوقت ذاته، فإن التمسك بظاهر النصوص دون تأويل لا يعني رفض التطور أو التعصب للرؤية التقليدية، بل قد يكون تعبيراً عن الإيمان بقدرة الله على تحقيق ما قد يبدو مستحيلاً وفق المنطق البشري.

 

خاتمة

القضية المهدوية تبقى من القضايا التي تحمل أبعاداً غيبية لا يمكن استيعابها بالكامل بالعقل البشري المحدود، لذا فإن أي محاولة لتفسيرها وفق المعطيات الحديثة يجب أن تبقى ضمن حدود الظن، دون أن تصل إلى القطع واليقين. فمن الممكن أن تكون بعض الروايات تشير إلى مفاهيم رمزية تتناسب مع التطورات التكنولوجية، كما يمكن أن تتحقق حرفياً وفق قدرات إلهية خارقة. والأهم من ذلك هو الإيمان بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) كحقيقة حتمية وفق المشيئة الإلهية، سواء فهمنا تفاصيلها أم لم نفهمها.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م